الأربعاء، ديسمبر ٣٠، ٢٠٠٩

سميح القاسم - في ساعات اللَّيل المتأخرة

الحركة الأولي:
لا تقولي لأبي شيئاً
ولا تخبري أختي شيئاً
وإفتحي لي شرفة خلفية
ربما أرجع لحماً و دماً
ربما أرجع ضوءاً
دقت الساعة يا أمي و هم ينتظرون
دقت الساعة يا أمي تعالي باركيني
وشهيداً كرسيني
قبل أن أقطع دهليز قرون
في ثوانٍ لأكون

الحركة الثانية:
خرجوا في الليل
كانوا أربعة
أسمر قاس نحيل
وسمين يتقن الضحك
وقمحي جميل
وأنا أولهم كنت
أنا
حارس الكرمة في أقصى الجليل
خرجوا في الليل
كانوا أربعة
فجأة في سفح التل زوبعة
فجأة والأسمر القاسي النحيل
فوق تمثال قتيل
خرجوا في الليل
كانوا
سفح تل
زوبعة
وسمين يتقن الضحك قتيل
فوق تمثال قتيل
خرجوا في الليل
قمحي جميل
يحفن القمح بكفيه
وفي الوادي يسيل
خرجوا في الليل
يا أجمل غابة
تهب الموت الجميل
وأنا أولهم
كنت المغني والربابة
عندما عادوا مع الفجر
وكانوا ألف جيل

الحركة الثالثة:
أتركي طفلتنا ضمة أحلام وزنبق
أتركيها نائمة
ولأكن غيمة نار عائمة
فوق أطراف الأصابع
من ذراعيك
إلى بعض الشوارع
إلى بعض الدروب القاتمة
أتركيها نائمة
وإذا ما إستيقظت باكية
سرقوا لي دميتي
طمئنيها أننا في الفجر راجع
راجع لحماَ و صوتا و دماَ
أو نهاراً
فوق أطراف الأصابع

الحركة الرابعة:
عازف الناي قتيل
بين أشجار الحديقة
وتهب الريح ما زالت من الشرق تهب
فإذا الناي إختلاجات
وأنفاس وقلب
ومزامير عميقة

الحركة الخامسة:
قتلوا فاطمة
بين أبيها والحقيبة
قتلوا فاطمة في ساحة الريح الغريبة
قتلوا فاطمة لكن ريحاً
ملء الأكف الحبقية
فتحت في الليل أبوابا خفية
واستعادت
قبل أن يستيقظ الفجر الحقيبة

الحركة الأبدية:
يذكر الموت
وينسى الفاتحون

الأعمال الكاملة لسميح القاسم - المجلد الأول - مؤسسة عبد العزيز بساط - بيروت

الخميس، ديسمبر ٢٤، ٢٠٠٩

فؤاد حداد - الشكر وجهاً لوجه

لسّه في عينيَّ غيره وغزل
لسّه فى عينيَّ ريحة عينيَّ
نوّرت حواليَّ تشهد علىَّ الدموع والنظر
كان ورايا شجر فكهاني يحبّ المطر
زيّ بــــاب الحديـــد القبايــــل
كنت ميّت فـي حبِّـــك وقايــــل
انى قادر فـــي حبــك أمــــوت
ولا قـــادر ولا حــــدّ طايـــــل
بس قاعـد أقــول لـــو يـــدوم
بس أمشـى كـــأني الهـــــدوم
بس ألبس سطوحنا اللى طاير
علشـــان يلاغيـــك ألاغيـــك
الرقـــابى تحـــبّ الضــــفاير
والقلل شبابيك
يا جميل انــت ميَّـــه وســـما
كان رصيفنا يلاقيك
لما تنزل غزال
كنت بابعد واقرب كأنى الحجر
الا يوم العزال
ما ضربني الوتر عَ الوتر
الشريط اللى تحت، السلوك اللى فوق، العَلام الخطر
قمت اصحى المحطه اللى بعد المحطه نحوش ورا
بعض البيوت
آه يـــــا فلقــــة قمــــر
مستحيل ان بكره يفوت
على خير الاّ حضنك فى حضنى
الاّ ريقك ياخدنى
الا يوم العزال العرق جنّن الشيالين


* فؤاد حداد- ديوان العيار الفالت - الجزء الخامس من الأعمال الكاملة لفؤاد حداد - الهيئة العامة لقصور الثقافة

الاثنين، ديسمبر ٠٧، ٢٠٠٩

عبد الرحمن الأبنودي - ضلّ الجو

ننام من غير وَنَس.
ننام زي الجثث.
كإننا بيتين.
كإننا موتين.
وانتي اللي كنتي لابتسام..
وانا اللي كنت العين.
دلوقت بيضايقك دراعي ان لَمْس
دراعك الممدود.. ويقتلني انا
هَمْس النَّفَس.
إيه اللي كان وانطفى.. ؟
إيه اللي كان.. وانطلق ؟
إيه اللي كان وانحبس.. ؟
جسِّي شفايفي بْصَوَابِعك
وحسي طعم العبث.

شبابيكنا من غير هوا
شبابيكنا من غير ضوْ.
البحر مرصوف بلاط
والأوضه وِسع النوْ.
أنا وانتي نجم فْ تراب
أنا وانتي ضلّ الجو.

سبتمبر 1970

* عبد الرحمن الأبنودي - ديوان الزحمة - الأعمال الشعرية الكاملة - الجزء التاني - مكتبة الأسرة 2007

الأربعاء، نوفمبر ١٨، ٢٠٠٩

حافظ شیرازی - من أغاني شيراز

خواجه شمس‌ الدین محمد حافظ شیرازی، وهو شاعر فارسي ولد ما بين سنتي (1310-1337) ميلادي حوالي (727-792 هجري) في شيراز بفارس، وهو من أشهر الشعراء الفارسيين و كان يوصف بشاعر الشعراء ولسان الغيب
القصيدة مطلعها عربي وبعض الأبيات بالعربية ووضعت الأبيات العربية في الأصل باللون الأزرق
*
سليمى منذُ حلَّت بالعراق .:. ألاقي من نواها ما ألاقي
فيا من تقصد المحبوب مهلاً .:. إلى ركبانكم طال إشتياقي
وطوّح بالنهى في زِنْدَه رُودِ .:. بشرب الخمر في نغمٍ عراقي
ربيع العمر في مرعى حماكم .:. حماك الله.. يا عهد التلاقي
ويا ساقي.. ألا أقبل وناول .:. سقاك الله من كأس دهاقِ
فعهد شبيبتي دوما ببالي .:. إذا غنَّي على الأوتار ساقي
وناولني ولا تبخل بباقٍ .:. لأفديه.. بما في العمر باقِ
وقد دَمِيَت لغيبته لهاتي .:. ألا تعساً لأيام الفراقِ
دموعي بعدكم لا نحقروها .:. فكم بحرٍ عميقٍ من سواقي
وكنت وفقاً لمن يرجوك حباً .:. فإن الغُنْم في متن الوفاقِ
وغنِّ لنا بصوتك يا مليحاً .:. بشعر فارسيٍ أو عراقي
عروسي أنت يا بنت القناني .:. وحظك بعض أحيانٍ طلاقي
وعيسى في وصال الشمس دوماً .:. يقيم على الوفاق بلا شقاقِ
فأما إن حُرِمت الوصل فاقرأ .:. وردِّد شعر حافظ في الفراقِ

*زِنْدَه رُودِ: نهر بالقرب من أصفهان
من ديوان أغاني شيراز - ترجمة إبراهيم أمين الشواربي - المجلس الأعلى للثقافة - سلسلة ميراث الترجمة

الاثنين، أكتوبر ٢٦، ٢٠٠٩

محمد كًشيك – رغرغات - رغرغة أخيرة

الآهه فَرح جديد
والرغرغة .. ترديد
وعلى ابتسامتِك باضبُط المواعيد
حِبِّيه يا "فاطمة" زيّ ما عشقتُه
وابقي روحي البَلَد
ودوقي طعم البرتقان والعيش
وما تزعلّيش مِن شَجَر

أنا بانِفلِت من روحي زيّ الشُعاع
وباكون جميل في السَفَر
وباكون جميل في الوَداع
زي استقامة فجر
وزيّ فرحة ضوء
يا ضيّ شيّعني باسم الله
.. لحدّ باب الشروق
أنا كُنت نَظَري ضعيف ومليان بالهموم
لكنِّي دلوَقتي
باقدَر أَشوف الربيع
وارمي الهدوم عن جسمي واصبحَ طليق
وباليق في كُلّ الصوَر
وبانتَشِر في الجِهات
طيور في حُضن البراري
وأغنيات لا تدَاري
وبقايا مِن رغرغَات
أحضُن معايا الصُبح أسراري
وبدون مَرَاسِم وَدَاع
أنا بانفِلت مِن روحي زيّ الشُعاع
وباكون جميل في السَفَر

يا "فاطمة" لمّا ترَوّحي للبَلَد
ابقي اقطفي لي الفجر عود نِعناع
وانطقي باسمي.

* محمد كُشيك - العشش القديمة - مكتبة الأسرة 2008

السبت، أكتوبر ١٠، ٢٠٠٩

محمود درويش - في القدس

في القدس؛
أعني داخل السور القديم؛
أسير من زمن إلى زمن بلا ذكرى تصوبني..
فإن الأنبياء هناك يقتسمون تاريخ المقدّس،
يصعدون إلى السماء ويرجعون أقل إحباطاً وحزناً؛
فالمحبة و السلام مقدسان وقادمان إلى المدينة.

كنت أمشي فوق منحدر وأهجس:
كيف يختلف الرواة على كلام الضوء في حجر؟
أمن حجر شحيح الضوء تندلع الحروب؟

أسير في نومي. أحملق في منامي.
لا أرى أحدا ورائي. لا أرى أحدا أمامي..
كل هذا الضوء لي..
أمشي؛ أخف؛ أطير ثم أصير غيري في التجلي..
تنبت الكلمات كالأعشاب من فم أشعيا النبويّ:
"إن لم تؤمنوا لن تأمنوا".

أمشي كأني واحد غيري،
وجرحي وردة بيضاء إنجيلية،
ويداي مثل حمامتين على الصليب
تحلقان وتحملان الأرض ..
لا أمشي، أطير، أصير غيري في التجلي.
لا مكان ولا زمان
فمن أنا؟

أنا لا أنا في حضرة المعراج..
لكنّي أفكر: وحده كان النبي محمد يتكلم العربية الفصحى..
وماذا بعد؟ .. ماذا بعد؟

صاحت فجأة جندية: هو أنت ثانية ؟ ألم أقتلك؟
قلت: قتلتني .. ونسيت، مثلك، أن أموت.

محمود درويش - لا تعتذر عمّا فعلت - دار رياض الريّس

الأربعاء، سبتمبر ٣٠، ٢٠٠٩

رياض الصالح الحسين - بعد ثلاثة أيام

ما الذي سيحدث في هذا الضياء الواسع
إذا لم تشرق الشمس
لمدَّة ثلاثة أيَّام؟
ما الذي سيحدث في هذا الفضاء الواسع
إذا توقَّفت العصافير عن الزقزقة
لمدَّة ثلاثة أيَّام؟
ما الذي سيحدث في هذا الجحيم الواسع
إذا تعطَّلت أجهزة اللاسلكي
لمدَّة ثلاثة أيَّام؟
ما الذي سيحدث في هذا المستنقع الواسع
إذا توقَّفت الضفادع عن النقيق
لمدَّة ثلاثة أيَّام؟
ما الذي سيحدث في هذا القبر الواسع
إذا فقدتْ السجائر من الأسواق
لمدَّة ثلاثة أيَّام؟
ما الذي سيحدث في هذا الخنجر الواسع
إذا توقَّفت أمريكا عن أكل لحوم البشر
لمدَّة ثلاثة أيَّام؟
ما الذي سيحدث في هذا العالم الواسع
إذا أضربنا عن اليأس
لمدَّة ثلاثة أيَّام؟
و ما الذي سيحدث في قلبي الواسع
إذا لم أحبك
بعد ثلاثة أيَّام؟

منذ القبلة الأولى على رقبتك الطويلة
و حتَّى الحرب العالميَّة الثالثة
التي لم تأتِ بعد
كنت أوزِّع الحبّ على النازحين
و هم يوزِّعون بطاقات الإعاشة
كنت أوزِّع الحبّ على السجناء
و هم يوزِّعون الصدمات الكهربائيَّة
كنت أوزِّع المصانع في الصحاري
و هم يرصدون سجنًا لكل مصنع
منذ انبثاق النار من احتكاك حجرين
و حتَّى اختراع القنابل العنقوديَّة
كنت أوزِّع الحبّ في القلوب
كما يوزِّعون الرصاص
كنت أنثر الأغاني في الطرق الجبليَّة
كما ينثرون الألغام
منذ أن جلس بوكاسا على عرشه العريض
و أنا أحاول أن أحبُّهُ
بعدَ ثلاثة أيَّام

بعد ثلاثة أيام
ستقابل عاملة في مصنع للنسيج
رجلاً يصنع التوابيت
بعد ثلاثة أيَّام
السماء ليست سوداء
و الأحاديث ستكون أجمل
بعد ثلاثة أيام
ستقابل العاملة رجلاً
هي لا تحمل حقيبة
و هو لا يضع ربطة عنق حمراء
بعد ثلاثة أيام
ستحدث مهزلة بسيطة
-رغم أنَّ كلا منهما لا يملك أجرة تكسي-
عندما تقول له:
لا استطيع أن أحبك
إلاَّ بعد ثلاثة أيام

راعي بقر مكسيكي
يمتطي دبَّابة سمينة
أسنانه في نهد خطّ الاستواء
و أصابعه تلعب البوكر في داريا
جزمته في طهران
و دماغه في واشنطن
راعي بقر مكسيكي
أطلق قذيفة واحدة
فأصاب ثلاث عائلات
الأولى: لم تسمع بالأمم المتَّحدة
الثانية: لم تسمع بالأمم المتَّحدة
الثالثة: لم تسمع بالأمم المتَّحدة
راعي بقر مسكيكي
أطلق قذيفة واحدة
فثقب قلبي من ست جهات
شحذت سكِّيني ببرود
أيُّها الراعي... أيُّها الراعي
تعال لأحبَّك!

بعد ثلاث قبلات
بعد ثلاث قذائف
بعد ثلاثة أرغفة
بعد ثلاث مجاعات
بعد ثلاث حروب
بعد ثلاث جرائم
بعد ثلاث مصفَّحات
بعد ثلاث مراوح كهربائيَّة
بعد ثلاث جثث
بعد ثلاثة أرانب
بعد 24 سنة من التعب البارد
من يستطيع أن يحبّني
بعد ثلاثة أيَّام؟.

الثلاثاء، سبتمبر ١٥، ٢٠٠٩

أمل دنقل- حديث خاص مع أبي موسى الأشعري

(حاذيت خطو الله، لا أمامه، لا خلفه)

(1)
..إطارُ سيارته ملوثُ بالدمّ!
سارَ ولم يهتمّ!!
كنت أنا المشاهدَ الوحيدْ
لكنني .. فرشتُ فوق الجسد الملقي جريدتي اليوميَّةٍ
وحين اقْبَلَ الرجالُ من بعيد..
مزقت هذا الرقم المكتوب في وريقةٍ مطويةٍ

وسرتُ عنهم ما فتحت الفم!!
*
(حاربتُ في حربهما
وعندما رأيتُ كلاً منهما.. مُتَّهما
خلعتُ كلاً منهما
كي يسترد المؤمنون الرأى والبيعه
..لكنهم لم يدركوا الخدعه !)
*
حين دلفتُ داخل المقهي
جرَّدني النادلُ من ثيابي
جردتهُ بنظرةِ ارتيابِ
بادلتُه الكُرْها !
لكنني منحتهُ القرشَ فزَّين الوجها
ببسمةٍ.. كلبيَّةٍ.. بَلْها
ثم رسمتُ وجهه الجديدَ.. فوق علبةِ الثقابِ !

(2)
رأيتُهم ينحدرون في طريق النهرْ..
لكي يشاهدل عروسَ النيل – عند الموت – في جَلْوتها الأخيرة
وانخرطوا في الصلوات والبكاءْ.
وجئتُ.. بعد أن تلاشت الفقاقيعُ، وعادت الزوارقُ الصغيرة
رأيتهم في حلقات البيع والشراءْ
يقايضون الحزنَ بالشواءْ !
.. تقول لي الاسماكْ
تقول لي عيونُها الميِّتة القريرة:
إن طعامها الأخيرَ.. كان لحماً بشرياً
قبل أن تجرفها الشِّباكْ
يقول لي الماءُ الحبيسُ في زجاج الدورقِ اللمِّاعْ
إن كلينا.. يتبادلان الابتلاع !
تقول لي تحنيطة التمساح فوق باب المنزل المقابلْ
إنَ عظامَ طفلةٍ.. كانت فراشَ نومه في القاع !!
*
(خلعتُ خاتمي.. وسيدي.
فهل تُرى أحصي لكِ الشاماتِ في يدي
لتعرفيني حين تُقْبلين في غدِ
وتغسلين جسدي
من رَغَواتِ الزَّبَدِ؟!)
*
في ليلةِ الوفاء
رأيتُها - فيما يري النائمُ – مُهرةً كسلى
يسرجُها الحوذيُّ في مركبةِ الكراءْ
يهوي عليها بالسياطِ، وهي لا تشكو .. ولا تسير!
وعندما ثرتُ.. وأغلظتُ له القولا..
دارت برأسها...
دارت بعينيها الجميلتين
رأيتُ في العينين: زهرتين
تنتظران قبلةً . من نحلةٍ هيضَ جناحُها.. فلم تَعُد تطيرْ!
.. رأيتُها - فيما يري النائم- طفلة.. حبلى!
رأيتٌها.. ظلا!
وفي الصباح: حينما شاهدتُها مشدودةً إلي الشراعْ
ابَتَسَمَتْ، ولَوَّحَتْ لي بالذراع
لكنني: عَثُرتُ في سيري !
رأيتُني.. غيري !
وعندما نهضتُ: ألقيتُ عليها نظرةَ الوداع
كأنني لم أرها قبلا!
فأطرقت خجلى
ولم تَقُلْ إني رأيتُها ..ليلا!

(3)
خرجتُ في الصباح..لم أحمل سوي سجائري
دسستُها في جيب سترتي الرمادّية
فهي الوحيدةُ التي تمنحني الحبَّ.. بلا مقابل!

*
رؤيا:
(ويكون عامٌ.. فيه تحترقُ السنابلُ والضروعْ
تنموا حوافرنُا – مع اللعنات – من ظمأٍ وجوعْ
يتزاحفُ الاطفالُ في لعق الثري !
ينمو صَديدُ الصّمغ في الافواهِ،
في هُدب العيون.. فلا تري!
تتساقط الاقراطُ من آذان عذراوات مصرْ!
ويموت ثديُ الأمَّ.. تنهضُ في الكري
تطهو – علي نيرانها – الطفل الرضيع!!)
*
حاذيت خطو الله، لا أمامهُ.. لا خلفه
عرفت أن كلمتي أتفَهْ..
من أن تنال سيفَه او ذَهَبَهْ
(حين رأت عيناي ما تحت الثياب لم يعد يثيرني)
قلبت – حينا- وجهي العُملة
حتى اذا ما انقضت المهله
ألقيتها في البئر .. دون جلبة!
وهكذا.. فقدتُ حتى حِلْمَه وغَضَبَهْ
*
(عيناكِ: لحظتا شُروق
أرشف قهوتي الصباحيه من بُنِّهما المحروقْ
وأقرأ الطالعْ!
وفي سكون المغربِ والوادعْ
عيناك، يا حبيبتي، شُجيرتا برقوق
تجلس في ظلَّهما الشمسُ، ترفو ثوبها المفتوقْ
عن فخذها الناصع!)

(4)
.. وستهبطين علي الجموع
وترفرفين.. فلا تراك عيونُهم خاف الجموع
تتوقفين علي السيوفِ الواقفة
تتسمَّعين الهمهماتِ الواجفة
وسترحلين بلا رجوعْ!
..
ويكون جوعْ
ويكون جوعْ!

مارس 1967

الأربعاء، أغسطس ٢٦، ٢٠٠٩

فؤاد حداد - حلم عبد الله الشاعر مع الصبايا و السفاح

في أي ساعة من النهار و الليل، لا الشمس باينة ولا القمر. باحلم لقيت الناس كتيرة في الطريق، ماشيين على نار الحريق، ماشيين بحكم العادة. سايبين بيوتكم ليه ؟، مش خايفين من الموت في اللي داير في الشوارع ؟، انت الرضيع فين أمك ما عادت شابة، وانت اللي طالب علم طالب عيش، وانت اللي في جبينك غبار أسود، وانت اللي ما اتخلقت ايديك للبارود، وانت العجوز البائس المسكين، قلبي قفز.
هذا العجوز البائس المسكين أنا.
... وتلات صبايا من جنان الحور، ما أدري كيف ضحكوا لي في هذا الجحيم، وبيقصدوني: حق يا عيوني. قالوا تعالوا اسمعوا الشاعر، بيغني غنوه قبل ما يموت الحزين...
- بنسمعك غني يا عبد الله
- يا ضي عيني يا مدد قلبي يا نور القشطة يا طيب السلام، يا وحي ميت ألف قيس قبلي وبعدي لحد يوم القيامة. فكروني كنت من وقتي باقول "لبنان الدامي قدامي" واطلب قوافي ترد مش لاقي، و نسيتوني الأصل والباقي.
- غير وغني جديد
- حاضر ولبيكم ، خاتم سليمان ادعكوه بين إيديكم، شيطاني عبد بأمركم يحضر: "لبناني لبنان أخضر"، مدد يا شباب
شو إسمك؟


- اسمي ليلى

- يا ليلى بنت الأسمر
يا سهلك فجر معطر
يا جبالك ريح الزعتر
مثلك أم وحضن يضم
ومثلي الطفل اللي صغير
لبناني لبنان أخضر

شو إسمك؟


- اسمي عبلة

- يا عبلة رجالك عنتر
الرمح في قلبه إتكسر
لا قال آه و لا اتأثر
بادعي الحي يتوب ع الحي
وأولاده في ظله تكبر
لبناني لبنان أخضر

شو إسمك ؟


- اسمي نجلا

- يا نجلا بنت الأشقر
يا تاجك تبر في بيدر
وبيتجمع يتبعتر
منظر بدر في ليلة قدر
وسرك أحلى من المنظر
لبناني لبنان أخضر

صبيه صبيه ضحكوا لي وبكوا، وخف صوتي وغربت عني طيوف النور وغابوا واختفوا آه يا ضيا – زينه و مليحه في الليالي الماضية – مثلك وراحوا في حلم داخل حلم، صوتي تهدج ....

- هويتك فين يا عجوز النحس ؟
- ما عندي هوية
- إسمك وربك ودينك
- إسمي عبد الله الشاعر
ربي اللطيف بعباده
- اتكلم كلام مفهوم ، يحرق جدودك يا كلب الصبايا، ايش يكون دينك ؟
- لا تسألني عن ديني
لبناني و فلسطيني

لقيت نفسي باغني بحس أكتر من حزين، أستمرئ الذله لنفس المنكسر، مكتوب نعود أطفال في يوم الخوف ويوم البراءة، حسي شرق بالدمع من كلا الجهات

لا تسألني عن ديني
لبناني و فلسطيني

لا تسأل روح المسكين
مسروقه في حد السكين
الله بيسأل يوم الدين
وحياة الله خليني

خليني اعمل معروف
بيتي ما بيملك مصروف
بكفاية للفقر ظروف
وحياة الله خليني

ما في جيبي سلاح الغدار
ما إلا مفتاح الدار
خلف ابوابه ولاد صغار
وحياة الله خليني

لا تيتمهم يا ابن الناس
لا تضربني فوق الراس...

صحيت وكانوا بيضربوني، أرتاح لأني نجيت ؟
أخجل لأني تركت البائس المسكين
ما تروحش من عيني يا عبد الله
ما تروحش من عيني

الجمعة، أغسطس ٢١، ٢٠٠٩

محمود درويش - مقاطع من قصيدة "مديح الظل العالي"



أَشلاؤنا أَسماؤنا. لا.. لا مَفَرُّ
سقط القناعُ عن القناعِ عن القناعِ،
سقط القناعُ
لا إخوةٌ لك يا أخي، لا أصدقاءُ
يا صديقي لا قلاعُ
لا الماءُ عندكَ، لا الدواء ولا السماء ولا الدماءُ ولا الشراع
ولا الأمامُ ولا الوراءُ.
حاصِرْ حصَارَكَ.. لا مفرُّ
سقطتْ ذراعك فالتقطها
واضرب عَدُوَّك.. لا مفرُّ
وسقطتُ قربك، فالتقطني
وأضرب عدوكَ بي .. فأنت الآنَ حُرُّ
حُرُّ
وحُرُّ..
قتلاكَ، أو جرحاك فيك ذخيرةٌ
فاضربْ بها. اضربْ عدوَّكَ.. لا مَفَرُّ.

أَشلاؤنا أسماؤنا
حاصرْ حصارَك بالجنونِ
وبالجنونِ
وبالجنونْ
ذهبَ الذين تحبُّهم، ذهبوا
فإمَّا أن تكونْ
أو لا تكونْ،
سقط القناعُ عن القناعِ عن القناعِ
سقط القناعُ
ولا أحدْ
إلاَّك في هذا المدى المفتوح للأعداء والنسيانِ،
فاجعل كُلَّ متراسٍ بَلَدْ
لا.. لا أَحَدْ
سقط القناعُ
عَرَبٌ أَطاعوا رُومَهم
عَرَبٌ وباعوا رُوْحَهُم
عَرَبٌ ... وضاعوا
سَقَطَ القناعُ
واللهُ غَمَّسَ باسمك البحريَّ أَسبوعَ الولادةِ واستراحَ إلى الأَبدْ
كُنّ أنتَ . كُنْ حتى يكونْ !
لا .. لا أَحَدْ
يا خالقي في هذه الساعاتِ من عَدَمٍ تَجَلَّ !
لعلَّ لي رَبَّاً لَأعبدَهُ
لَعَلَّ !
علمتني الأسماءَ
لولا
هذهِ الدولُ اللَّقيطةُ لم تكنْ بيروت ثكلى !
بيروت – كلاّ.
*
بيروت – صورتُنا
بيروت – سورتُنا
فإمَّا أَن نكونْ
أَو لا نكونْ.
*
وأَنا التَوَازُنُ بين ما يجُب ؟
كُنَّا هناكَ . ومن هنا ستهاجر العَرَبُ
لعقيدةٍ أُخرى . وتغتربُ
قَصَبٌ هياكلنا
وعروشنا قَصَبُ
في كُلِّ مئذَنةٍ
حاوٍ، ومغتصبُ
يدعو لأندلس
إن حُوصرتْ حَلَبُ.
وأَنا التوازُنُ بين مَنْ جاءوا ومن ذهبوا
وأَنا التوازُنُ بين مَنْ سَلَبُوا وَمَنْ سُلِبوا
وأَنا التوازُنُ بين مَنْ صَمَدُوا وَمَنْ هربوا
وأَنا التوازُنُ بين ما يَجِبُ:
يجب الذهابُ إلى اليسارْ
يجبُ التوغُّلُ في اليمينْ
يجبُ التمترُس في الوسطْ
يجبُ الدفاعُ عن الغلطْ
يجبُ التشكُّك بالمسارْ
يجبُ الخروجُ من اليقينْ
يجبُ الذي يجبُ
يجبُ انهيار الأنظمةْ
يجبُ انتظار المحكمةْ
.. وأَنا أُحبك، سوف أَحتاج الحقيقةَ عندما أَحتاج تصليح
الخرائط والخططْ
أَحتاجُ ما يجبُ
يجبُ الذي يجبُ
أدعو لأندلسٍ
إن حُوصرتْ حَلَبُ.
*
يا سَيَّدَ الكينونة المتحوَّلَهْ ؟
يا سَيَّدَ الجمرهْ
يا سَيَّدَ الشُّعْلَهْ
ما أوسع الثورهْ
ما أضيق الرحلَهْ
ما أكبَرَ الفكرهْ
ما أصغرَ الدولهْ !...

1982

محمود درويش - مديح الظل العالي - دار العودة - بيروت

الأحد، أغسطس ٠٩، ٢٠٠٩

حجاج الباى - المغنواتي

قول يا مغنواتي قول
وتَّر وسمعنا
لما الربابة تئن
ممكن قلوبنا تحن
والشوق يجمعنا
قول يا مغنواتي قول
والله ما ضيعنا
إلا سكات الطير عن المغنى
الليل مالوش معنى
إلا الرباب إن قال
واتسحب الموّال
على جرح يوجعنا
حجاج الباي (رحمه الله) - أسوان - من كتاب أصوات جديدة في الشعر العامي - المؤتمر الأول لأدباء مصر فى الأقاليم - الثقافة الجماهيرية - عام 1984

السبت، يناير ٣١، ٢٠٠٩

4- ما تقوله إلزا "من نشيد إلزا" - آراجون

-بطلب من يحيي المصري-
ترجمة الشاعر فؤاد حداد
*
تقولين لي أن هذه الأبيات غامضة وربمَّا
كانت أقلَّ غموضاً مما كنت أريد
استلبنا السعد
فلنغلق عليه النافذة
أخاف أن يسري إليه النهار
فيحجب إلى الأبد الصورة التي أعجبتك.

تقولين لي إذا كان حبنا يستهل عالماً
فهو عالم يحب البساطة في الحديث
دع عنك لانسلوت ودع المائدة المستديرة
وايزولد وفبفيان واسكلارموند
مرآتهن الشائهة فى صفحة السيوف.

طالع الحب في عيوني لا في دورة الأعداد
ولا تسكر قلبك من سلوتهن القديمة
ليست الأطلال عند الظهر إلا خراباً
هذه الساعة لنا فيها ظلان
لنزيد من حيرة قراء المزاول.

هل الليل أكثر من النهار مفاتن ؟
العار للذين لا يتنهدون لمرآى السماء الصافية
والعار لمن لا يقع سلاحهم أمام الطفولة
والعار لمن لا دموع لهم
من أجل أغنية في الشارع أو زهرة في المروج.

تقولين لي دع عنك معزفة الرعود قليلاً
فالمساكين هذه الأيام
لا يقدرون على البحث في القواميس
فهم يريدون كلمات دارجة
يستطيعون ترديدها همساً وهم يحلمون.

إذا أردت أن أحبك جئني بالماء النقي
يشفي غليلهم ويروي الرغبات
لتكن قصيدتك دماً من جراحك الغائرة
مثل بناء علي السطح يغني
للعصافير التي ليس لها عش ومأوى.

فلتكن قصيدتك هي الأمل قائلاً يتبع
في كل حلقة من مسلسلة خطانا المشؤمة
ولينتصر صوت الإنسان علي الأبواق
وليمنح أسباب الحياة
للذين وكأن كل شئ يدعوهم إلي التهلكة.

لتكن قصيدتك فى الأماكن الخالية من الغرام
حيث يكدح المرء ويدمى وينفق من البرد
وكأنها لحن يتمتم فيخفف من ثقل الأقدام
أو قهوة سوداء للصباح
أو لقاء صديق علي طريق الصليب.

ليس أهلاً لأن تغني لهم
إلا اللذين بهم مراراً تحلم
وذاكراهم مثل قعقعة السيوف
وهي تصحو في وريدك ليلاً
وتفضي إلى قلبك بمثل حديث الريح إلى الشراع.

تقولين لي إذا أردت أن أحبك وأنا أحبك
فينبغي لصورة أنت ترسمها لي
أن يكون لها مثل اليرقة الحيّة فى قلب الأقحوان
موضوع يختبئ في موضوعها
وأن تقرن بالحب الشمس المقبلة.


* ديوان "عيوان إلزا" - آراجون - ترجمة فؤاد حداد - دار الكاتب العربي للطباعة والنشر - القاهرة عام 1968