الخميس، يناير ٢٧، ٢٠١١

وش مصر – زين العابدين فؤاد

وشك عليه الطين تـُلول
وشىِّ ما داقشِ النور سنه
شيلت الهرم على غنوتى.. صوتى انـْتـَنـَى
زادت على صدرى الحُـمُـول
يا مصر يا أم الغُـزْ... يا أم السَّـلـْطنة
فاتوا الشراكسة الحُـمْر فى ترابك
والانجليز.. والترك.. والمماليك
وبإيد حديد بيقفَّـلوا ابوابك
وبإيد نحاس بِيمَسْمَروا الشبابيك
وأنا تحت شباكك.. بابيع الحُبْ مع الصِّينى
والطين على جبينى
ما انا إبن طين طينك
ياما نفسى ألقاكى.. وتلقينى
أصرُخ.. تُضمِّينى
أضحك، تِفرْ الدمعة من عينك.. على عينى
ياما نفسى أشوف وشك.. وأشوف عينكْ
لفِّيت ما خلِّيتك
لفيت.. ولا لقيتك
فى الاهرامات، فى البرج ما لقيتك
فى أبوابك السته
باب الوزير.. أخضر.. وله قُبةَّ
باب الفتوح مقفول.. وباعوا القفل فى العَتَبَة
ووصلت باب النصر.. لَفوا الحبل ع الرقبة
لفيت ما خلِّيتك
وسألت عميّان البلد عَنِّك
عن طريق بيتك
لفيت.. ولا لقيتك


صرخ الهرم فيهّ.. وقال.. وشك حجر
وشك ملك بسبع سيوف
وسبع قصور.. وألف غَفَر
وشك عنب من غير قُطوف
لا بينهضم ولا ينْعَصَر
يا مصر.. يام القهر.. والطين.. والشجر
وقالولى عاليه وسلمك عالى
وقالولى ساكنة فى السما السابعه
وقالولى وشك سُتُّميت شمعه
يا منَّوره القلعة
وازاى أشوف وشك ؟
وأوِّلْ طلوعك سلْم القلعة
فى جِبِة الوالى
والوالى بيغشِّك
عينه على فّرْشِك... على قِرْشِك
والملتزمْ على كتفه سَيّافُه
وأنا نفسى أشوفك وشك


الملتزمْ فوق الحصان
اِتْفَقِّلت كل البيبان
الملتزمْ حَيْعَدىِّ يا جدعان
وخيال من الحاره مَرَقْ
فى الكف خنجر موت برَقْ
أرشق يا خنجر فى الحشا واعشَقْ
وف صدر أفندينا انحِشرْ.. وأرشَقْ


والملتزمْ تحت الحصان
اتفتَّحتْ كل البيبان
وف دمعه كان وشك بِيِتْبَسِّم
كرباجه كان فى اللحم بيعلِّم
كرباجه.. وحصانه.. وسيف سيفه
مرمى على أرضك مع رغيفُه
يا أم الرغيف مقسوم لستِّ ولاد


1964

* من ديوان "صفحة من كتاب النيل"

الأحد، يناير ١٦، ٢٠١١

محمود درويش - رحلة المتنبي إلى مصر

للنيل عاداتٌ
وإني راحلُ
أمشي سريعاً في بلادٍ تسرقُ الأسماءَ منِّي
قد جئتُ من حَلَبٍ، وإني لا أعود إلى العراقِ
سَقَطَ الشمالُ فلا أُلاقي
غير هذا الدرب يَسَبُني إلى نفسي.. ومصر
كم اندفعتُ إلى الصهيلْ
فلم أجدْ فَرَساً وفرساناً
وأسْلَمَني الرحيلُ إلى الرحيلْ
ولا أرى بلداً هناك
ولا أرى أحداً هناك
الأرضُ أصغُر من مرور الرمح في خصرٍ نخيلْ
والأرضُ أكبرُ من خيام الأنبياءِ
ولا أرى بلداً ورائي
لا أرى أحداً أمامي
هذا زحامٌ قاحلُ
والخطو قبل الدرب، لكنَّ المدى يتطاولُ

للنيل عاداتٌ
وإني راحلُ

وطني قصيدْتيَ الجديدةُ
أمشي إلى نفسي فتطردني من الفسطاط
كم ألجُ المرايا
كم أُكسرها
فتكسرني
أرى فيما أرى دُوَلاَّ تُوَزَّعُ كالهدايا
وأرى السبايا في حروب السبي تفترس السبايا
وأرى انعطافَ الانعطاف
أرى الضفاف
ولا أرى نهراً.. فأجري
وطني قصيدتيَ الجديدةُ
كيف أدرى
أنَّ صدرى ليس قبري
كيف أدري
أن أضلاعي سياجُ الأرضِ أو شَجَرُ الفَضَاءِ وقد تَدَلَّى
كيف أدري
أنَّ هذا الليلَ قد يُدمي

فأرمي القلبَ من سَأمي إلى عَسَسِ الأميرِ
وقد تساوى الحبلُ والمحكومُ
هل وطني قصيدتي الجديدةُ؟
هَيْتَ لَكْ
ما أجملَكْ
الليلُ ليليٌّ، وهذا القلبُ لَكْ
لا الحبُّ ناداني
ولا الصفصافُ أغراني بهذا النيل كي أغفو
ولا جَسَدٌ من الأنبوس مَزَّقني شظايا

أمشي إلى نفسي
فتطردني من الفسطاط
كم ألج المرايا
كم أُكسِّرها
فتكسرني
أرى دُوَلاّ تُوزَّعُ كالهدايا
والنهرُ لا يمشي إليَّ، فلا أراهُ
والحقلُ لا ينضو الفراش على يديَّ، فلا أراهُ
لا مصر في مصر التي أمشي إلى أسراها
فأرى الفراغ، وكُلَّما صافحتُها
شَقَّتْ يدينا بابلُ
في مصر كافورٌ.. وفي زلازلُ


للنيل عاداتٌ
وإنَّي راحلُ

حَجَرٌ أنا
يا مصر، هل يصلُ اعتذاري
عندما تتكدسين على الزمان الصعب أصعبَ مِنْهُ؟
خطوي فكرتي
ودمي غباري
هل تتركين النهر مفتوحاً لمن يأتي
ويهبط من مراكبه إلى فخدين من عاج وعرش
هل يكون العرشُ قبل الماء؟
لا أدري، ولكن.. ربما.. هيهات.. قد..
لا يصعدون السُلَّم الحجريَّ والأهرامَ كالحلزون
يغتصبون، يغتصبون..
أعرفُ أنني أمتصُّ فيكِ الغزوَ
أعرف أنني لا أعرف السرَّ الدفينَ
وأنني صِفْرُ اليدين وسائرِ الأعضاءِ
أعرف أنني سَأمُرُّ في لمح الوطنْ
وأذوبُ في الغزوات والغزوات
لكنْ كُلَّما حاولتُ أن أبكي بعينيكِ
التفتِّ إلى عَدُوِّي
فالتصقتُ بما تبقَّى منكِ أو منِّي، وأدركَني الزمنْ..
هل تتركين النيل مفتوحاً
لأرمي جُثَّتِي في النيل؟
لا لن يستبيح الكاهنُ الوثنيُّ زوجاتي
ولا، لن أبنيَ الأهرام ثانيةً، ولا
لن أنسج الأعلام من هذا الكفن
من يفتديني، يا مُعَذَّبتي، بمنْ؟
ولمنْ؟
تمضين حافيةً لجمع القطن من هذا الصعيد
وتسكتين لكي يضيع الفرقُ بين الطين والفلاَّح
في الريف البعيد
وتجفُّ في دمك البلابل والذرهْ
ويطول فيك الزائلُ

للنيل عاداتٌ
وإني راحلُ
هل غادرَ الشعراءُ مصرَ؟ ولن يعودوا..
إنَّ أرضَ الله ضَيِّقةٌ، وأضيقَ من مضائقها الصعودُ
على بساط الرمل..
هل من أجل هذا القبر نامتْ مصرُ في الوادي
كأنَّ القبر سَيِّدُها؟
بلادٌ كُلَّما عانقُتها فَرَّتْ من الأضلاع
لكنْ كُلَّما حاولتُ أن أنجو من النسيان فيها
طاردتْ روحي
فصارتْ كُلُّ أرضِ الشام منفى
كلما انبجسَتْ من القلب المهاجر لحظةُ امرأةٍ
وعانقتُ الحبيبةَ أصبحتْ ذكرى
ونفسي تشتهي نفسي ولا تتقابلان
ولا تُردَّان التحية في طريقهما إليَّ..
..إليَّ يا طُرُقَ الشمال
نسيتُ أن خطاي تَبْتَكِرُ الجهاتِ
وأبجديَّاتِ الرحيل إلى القصيدة واللهبْ
يا مصرُ’ لن آتيكِ ثانيةً..
ومَن يترك حَلَبْ
ينس الطريق إلى حلبْ
وأنا أسيرٌ حَرَّرَتْهُ سلاسلُ
وأنا طليقٌ قَيَّدَتْهُ رسائلُ

للنيل عاداتٌ
وإني راحلُ

..وإلى اللقاء إذا استطعتُ
وكلُّ من يلقاكِ يخطفه الوداعُ
وأُصيب فيكِ نهاية الدنيا ويصرعني الصراعُ
والقرمطيُّ أنا. ولكنَّ الرفاقَ هناك في حَلَبٍ
أضاعوني وضاعوا
والرومُ حول الضاد ينتشرون
والفقراء تحت الضاد ينتحبون
والأضدادُ يجمعهم شراعٌ واحِدٌ
وأنا المسافُر بينهم. وأنا الحصارُ. أنا القلاعُ
أنا ما أُريد ولا أُريد
أنا الهدايةُ والضياعُ
وتشابُهُ الأسماء فوق السُلَّم الملكيِّ
لولا أن كافوراً خداعُ

ماذا جرى للنيل؟
لم يأخُذْ دموعي
في اتجاه مَصَبِّها
ماذا جرى للنيل؟
لم يقذفْ ربيعي
قُرْبَ عمري،
والقلوبُ هنا مشاعُ..

ماذا جرى للنيل
لم يعتبْ
ولم يغضبْ
عليَّ
وفي صحاريَّ اتساعُ..
وسُكُونُ مصرَ يَشُقُّنِي:
هذا هو العبدُ الأميرُ
وهذه الناسُ الجياعُ
والقرمطيُّ أنا، أبيعُ القصرَ أُغنيةً
وأهدِمُهُ بأُغنيةٍ
وأسندُ قامتي بالريح والروح الجريح
ولا أُباعُ
الآن أُشْهِرُ كُلَّ أَسئلتي
وأسالُ: كيف أسألُ؟
والصراعُ هو الصراعُ
والروم ينتشرون حول الضاد
لا سيفٌ يطاردهم هناك ولا ذراعُ
كُلَ الرماح تُصِيبُني
وتُعيدُ أسمائي إليّ
وتعيدني منكم إليّ
وأنا القتيل القاتلُ

للنيل عاداتٌ
وإني راحلُ



* ديوان حصار لمدائح البحر - الأعمال الكاملة - المجلد الثاني - دار رياض الريس