الخميس، سبتمبر ١٦، ٢٠١٠

محمود درويش - نزل على البحر

نُزْلٌ على بحرٍ : زيارتُنا قصيرهْ
وحديثُنا نُقَطٌ من الماضي المهشم منذ ساعهْ
من أيِّ أبيض يبدأ التكوينُ؟
أنشأْ جزيره
لجنوب صرختنا. وداعاً يا جزيرتنا الصغيرهْ

لم نأتِ من بلدٍ إلى هذا البلدْ
جئنا من الرُّمَّان، من سرِّيس ذاكرةٍ أتينا
من شظايا فكرةٍ جئنا إلى هذا الزبدْ
لا تسألونا كم سنمكث بينكم، لا تسألونا
أيَّ شيء عن زيارتنا. دعونا
نفرغُ السفَنَ البطيئة من بقيَّة روحنا ومن الجسدْ
نُزْلٌ على بحرٍ: زيارتنا قصيرهْ
والأرضُ أصغر من زيارتنا. سنرسل للمياهِ
تُفَّاحةً أخرى، دوائَر، أين نذهبُ
حين نذهبُ؟ أين نرجعُ حين نرجعُ؟ يا إلهي
ماذا تبقَّى من رياضة روحنا ؟ ماذا تبقَّى من جهاتِ
ماذا تبقَّى من حدود الأرض ؟ هل من صخرةٍ أَخرى
نُقَدِّم فوقها قربانَ رحمتك الجديدْ؟
ماذا تبقَّى من بقايانا لنرحلَ من جديد؟

لا تُعطِنا، يا بحرُ، ما لا نستحقُّ من النشيد

للبحر مهنتهُ القديمهْ:
مدٌّ وجزرٌ،
للنساء وظيفةٌ أولى هي الإغراءُ،
للشعراء أن يتساقطوا غمّاً
وللشهداء أن يتفجروا حُلُماً
وللحكماء أن يستدرجوا شعباً إلى الوهم السعيدْ

لا تُعطِنا، يا بحرُ، ما لا نستحقُّ من النشيدْ

لم نأتِ من لُغة المكان إلى المكانْ
طالت نباتاتُ البعيدِ وطالَ ظلُّ الرمل فينا وانتشرْ
طالت زيارتنا القصيرةُ. كم قمرْ
أهدى خواتمهُ إلى مَنْ ليس منَّا. كم حجرْ
باضَ السنونو في البعيد وكم سنهْ
سننام في نُزْلٍ على بحرٍ وننتظر المكانْ
ونقول: بعد هنيهة أخرى سنخرج من هنا
متنا من النومِ، انكسرنا ههنا
أفلا يدوم سوى المؤقَّت يا زمان البحر فينا؟
لا تُعطِنا، يا بحرُ، ما لانستحقُّ من النشيدْ

ونريد أن نحيا قليلاً، لا لشيءٍ
بل لنرحل من جديدْ
لا شيء من أسلافنا فينا ولكنَّا نريدْ
بلادَ قهوتنا الصباحيّهْ
ونريدُ رائحة النباتات البدائيهْ
ونريدُ مدرسةً خصوصيهْ
ونريد مقبرةً خصوصيهْ
ونريد حريّهْ
في حجمِ جمجمةٍ.. وأغنيَّهْ

لا تُعطِنا، يا بحرُ، ما لا نستحقُّ من النشيدْ

.. ونريد أن نحيا قليلاً كي نعود لأيِّ شيء
لم نأتِ كي نأتي..
رمانا البحرُ في قرطاجَ أصدافاً ونجمهْ
من يذكر الكلمات حين توَهَّجتْ وطناً
لمن لا بابَ لَهْ؟
مَنْ يذكُر البدو القدامى حينما استولوا على الدنيا.. بكلمهْ؟
من يذكر القتلى وهم يتدافعون لفضِّ أسرار الخرافهْ؟
ينسوننا، ننساهُمُ، تحيا الحياةُ حياتها
من يذكر الآن البداية والتتمهْ؟
ونريد أن نحيا قليلاً كي نعود لأيَّ شيء
أيِّ شيءٍ
أيِّ شيءٍ
لِبدايٍة، لجزيرةٍ، لسفينةٍ، لنهايةٍ
لأِذان أرملةٍ، لأقبيةٍ، لخيمهْ
طالت زيارتنا القصيرهْ،
والبحر فينا مات من سَنَتَيْنِ.. مات البحرُ فينا

لا تعطنا يا بحر، ما لا نستحقُّ من النشيدْ.


ديوان هي أغنية هي أغنية - الأعمال الكاملة لمحمود درويش - الأعمال الأولى - المجلد الثالث - دار رياض الريس

الثلاثاء، سبتمبر ١٤، ٢٠١٠

محمد كُشيك - النهار ده

أنا حزين النهار ده
زَغزَغت روحى لقيتها ما بتضحَكش
ورفعت راسى لفوق
الابتسام ما طالكش
والقافية هربانة مِنّى والله ما عرف فين
ألفين عروسه فى بالى بيرقصوا حافيين
سرقونى وانا عريان
.. المزلقان على ناصية الشارع
والأجزاخانه فى آخر العِنوان
.. دَلدَقت عقلى فى برطمان ضايع
وقفَلت بالغطيان
أطياف من التخاريف وريف أخضَر
وبَرَاح بيفتَح جَرح فى الجدران
أفران بتغلِى تحت قفطانى
وبلّورات بتطير و شافطانى
.. أنا الأسير فى الضباب


* محمد كُشيك - العشش القديمة - الهيئة العامة للكتاب