الاثنين، نوفمبر ٢٢، ٢٠١٠

فؤاد حداد - قصيدة غلط، أزمة دموع

كان فيه بلد بتنام وتصحى بتشكي من أزمة دموع، مخفيّه عند البقّالين، ماليه الصفايح واشوِلَه. صحّحت بالقلم الرصاص. ماليه صفايح و اشولَه واقفاص. رجعت مسحت كان شافني اللي شافني وفز قال لي: سيب وخلّي، الكلام ده كله باطل لا يجوز، ما قلت لوش الوحي عوّدني على حريّته وحريّتي أول ما يطلقني النَفَس يعميني ألقى شمالي في يميني وأمامي ورايا وأصبح زي "مُلْك الشمس" داير مستقيم، سمّعتُه ريقي وقلت قصدك إيه؟ شخط لازم كلامك يبقى خدّامك مش انت الشاعر العمياني والهَمَيَاني خدّام الكلام. أنا قلت آسف توّي واقع من سلالم نور وزهر وكنت باحلم إني ملهم إني ساكن بورسعيد مارحتهاش أبداً وكان جاري نبيل منصور وآسف يا هصور، شايف جمال القافيه لمّا تاخدني وتجيبني، أبويا ضحك لي وابني والجناين شطّبت في المغربيّه وروّحتني وريّحتني بالسلام والطبطبه أنا راح أعيّط ليه من الحسن اللي كان في الحزن والطيبه والاستشهاد واقول:  كان فيه بلد بتنام وتصحى بتشكي من أزمة دموع.

* ديوان ميت بوتيك - دار المستقبل العربي - 1985

الجمعة، نوفمبر ١٢، ٢٠١٠

ابن زريق البغدادي - لا تعذليه

لا نعرف لإبن زريق البغدادي إلا يتيمته الشهيرة "لا تعذليه فإن العذل يوجعه". فقد رحل شاعرنا الفقير البغدادي إلى الأندلس كي يمدح خليفتها وأمرائها، ذهب إلى لقاء حظه من المال والعطاء فلم يجد إلا الجفاء. ولما ضاقت به الممالك بما رحبت لغيره من الشعراء، استسلم لقضاءه الأخير بعد أن ترك هذه القصيدة على فراش موته.

*

لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ قَد قَلتِ حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ
جاوَزتِ فِي نصحه حَداً أَضَرَّبِهِ مِن حَيثَ قَدرتِ أَنَّ النصح يَنفَعُهُ
فَاستَعمِلِي الرِفق فِي تَأِنِيبِهِ بَدَلاً مِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنى القَلبِ مُوجعُهُ
قَد كانَ مُضطَلَعاً بِالخَطبِ يَحمِلُهُ فَضُيَّقَت بِخُطُوبِ الدهرِ أَضلُعُهُ
يَكفِيهِ مِن لَوعَةِ التَشتِيتِ أَنَّ لَهُ مِنَ النَوى كُلَّ يَومٍ ما يُروعُهُ
ما آبَ مِن سَفَرٍ إِلّا وَأَزعَجَهُ رَأيُ إِلى سَفَرٍ بِالعَزمِ يَزمَعُهُ
كَأَنَّما هُوَ فِي حِلِّ وَمُرتحلٍ مُوَكَّلٍ بِفَضاءِ اللَهِ يَذرَعُهُ
إِذا الزَمانَ أَراهُ في الرَحِيلِ غِنىً وَلَو إِلى السَندّ أَضحى وَهُوَ يُزمَعُهُ
تأبى المطامعُ إلا أن تُجَشّمه للرزق كداً وكم ممن يودعُهُ
وَما مُجاهَدَةُ الإِنسانِ تَوصِلُهُ رزقَاً وَلا دَعَةُ الإِنسانِ تَقطَعُهُ
قَد وَزَّع اللَهُ بَينَ الخَلقِ رزقَهُمُ لَم يَخلُق اللَهُ مِن خَلقٍ يُضَيِّعُهُ
لَكِنَّهُم كُلِّفُوا حِرصاً فلَستَ تَرى مُستَرزِقاً وَسِوى الغاياتِ تُقنُعُهُ
وَالحِرصُ في الرِزقِ وَالأَرزاقِ قَد قُسِمَت بَغِيُ أَلّا إِنَّ بَغيَ المَرءِ يَصرَعُهُ
وَالدهرُ يُعطِي الفَتى مِن حَيثُ يَمنَعُه إِرثاً وَيَمنَعُهُ مِن حَيثِ يُطمِعُهُ
اِستَودِعُ اللَهَ فِي بَغدادَ لِي قَمَراً بِالكَرخِ مِن فَلَكِ الأَزرارَ مَطلَعُهُ
وَدَّعتُهُ وَبوُدّي لَو يُوَدِّعُنِي صَفوَ الحَياةِ وَأَنّي لا أَودعُهُ
وَكَم تَشبَّثَ بي يَومَ الرَحيلِ ضُحَىً وَأَدمُعِي مُستَهِلّاتٍ وَأَدمُعُهُ
لا أَكُذبُ اللَهَ ثوبُ الصَبرِ مُنخَرقٌ عَنّي بِفُرقَتِهِ لَكِن أَرَقِّعُهُ
إِنّي أَوَسِّعُ عُذري فِي جَنايَتِهِ بِالبينِ عِنهُ وَجُرمي لا يُوَسِّعُهُ
رُزِقتُ مُلكاً فَلَم أَحسِن سِياسَتَهُ وَكُلُّ مَن لا يُسُوسُ المُلكَ يَخلَعُهُ
وَمَن غَدا لابِساً ثَوبَ النَعِيم بِلا شَكرٍ عَلَيهِ فَإِنَّ اللَهَ يَنزَعُهُ
اِعتَضتُ مِن وَجهِ خِلّي بَعدَ فُرقَتِهِ كَأساً أَجَرَّعُ مِنها ما أَجَرَّعُهُ
كَم قائِلٍ لِي ذُقتُ البَينَ قُلتُ لَهُ الذَنبُ وَاللَهِ ذَنبي لَستُ أَدفَعُهُ
أَلا أَقمتَ فَكانَ الرُشدُ أَجمَعُهُ لَو أَنَّنِي يَومَ بانَ الرُشدُ اتبَعُهُ
إِنّي لَأَقطَعُ أيّامِي وَأنفقُها بِحَسرَةٍ مِنهُ فِي قَلبِي تُقَطِّعُهُ
بِمَن إِذا هَجَعَ النُوّامُ بِتُّ لَهُ بِلَوعَةٍ مِنهُ لَيلى لَستُ أَهجَعُهُ
لا يَطمِئنُّ لِجَنبي مَضجَعُ وَكَذا لا يَطمَئِنُّ لَهُ مُذ بِنتُ مَضجَعُهُ
ما كُنتُ أَحسَبُ أَنَّ الدهرَ يَفجَعُنِي بِهِ وَلا أَنَّ بِي الأَيّامَ تَفجعُهُ
حَتّى جَرى البَينُ فِيما بَينَنا بِيَدٍ عَسراءَ تَمنَعُنِي حَظّي وَتَمنَعُهُ
قَد كُنتُ مِن رَيبِ دهرِي جازِعاً فَرِقاً فَلَم أَوقَّ الَّذي قَد كُنتُ أَجزَعُهُ
بِاللَهِ يا مَنزِلَ العَيشِ الَّذي دَرَست آثارُهُ وَعَفَت مُذ بِنتُ أَربُعُهُ
هَل الزَمانُ مَعِيدُ فِيكَ لَذَّتُنا أَم اللَيالِي الَّتي أَمضَتهُ تُرجِعُهُ
فِي ذِمَّةِ اللَهِ مِن أَصبَحَت مَنزلَهُ وَجادَ غَيثٌ عَلى مَغناكَ يُمرِعُهُ
مَن عِندَهُ لِي عَهدُ لا يُضيّعُهُ كَما لَهُ عَهدُ صِدقٍ لا أُضَيِّعُهُ
وَمَن يُصَدِّعُ قَلبي ذِكرَهُ وَإِذا جَرى عَلى قَلبِهِ ذِكري يُصَدِّعُهُ
لَأَصبِرَنَّ على دهر لا يُمَتِّعُنِي بِهِ وَلا بِيَ فِي حالٍ يُمَتِّعُهُ
عِلماً بِأَنَّ اِصطِباري مُعقِبُ فَرَجاً فَأَضيَقُ الأَمرِ إِن فَكَّرتَ أَوسَعُهُ
عَسى اللَيالي الَّتي أَضنَت بِفُرقَتَنا جِسمي سَتَجمَعُنِي يَوماً وَتَجمَعُهُ
وَإِن تُغِلُّ أَحَدَاً مِنّا مَنيَّتَهُ فَما الَّذي بِقَضاءِ اللَهِ يَصنَعُهُ

* للمزيد عن القصيدة وشاعرها .. هنا وهنا.

الأربعاء، نوفمبر ٠٣، ٢٠١٠

فدوى طوقان - جريمة قتل في يوم ليس كالأيام

(إلى روح الطالبة الشهيدة منتهى حوراني)


ويوم امتطى صهوةَ العالم الصعب يحمل غصناً بيدْ
ويحمل سيفاً بيدْ
ويوم الحبيبة في الأسر هبّتْ عليها الرياح
محملةً باللقاح
جرت منتهى
تُعلّق أقمار أفراحها في السماء الكبيره
وتعلن أنَّ المطاف القديم انتهى
وتعلن أنَّ المطاف الجديد ابتدا


(بغرفتها أمها المتعبه
تلملم أوراقها المدرسية:
حذار العدى يا بنيه
فعين العدو تصيب )
وما كذب القلب، كان عدو الحياة يطاردها في المسيره
وينشب في عنقها مخلبه
*
تفتّحَ مريولها في الصباح
شقائق حمراً وباقات ورد
وعادت إلى الكتب المدرسية كل سطور الكفاح التي حذفوها
وعادت إلى الصفحات خريطة أمس التي طمسوها
ورفرف مريولها رايةً في صفوف المدارس. رفرف وامتدَّ
ظلّل في الضفة المشرئبه
شوارعها المغضبه
واشجارها المثقلات، ورفرف مريولها في النوافذ –
فوق سطوح المنازل فوق رفوف الدكاكين-
ظلّل في الضفة المشرئبه
مساجدها والكنائس، ظللها قبةً تلو قبّه
*
وما قتلوا منتهى وما صلبوها
ولكنّما صعدت منتهى
تُعلّق أقمار أفراحها في السماء الكبيره
وتعلن أنَّ المطاف القديم انتهى
وتعلن أنَّ المطاف الجديد ابتدا


فدوى طوقان - الأعمال الشعرية الكاملة - المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت