الثلاثاء، سبتمبر ١٥، ٢٠٠٩

أمل دنقل- حديث خاص مع أبي موسى الأشعري

(حاذيت خطو الله، لا أمامه، لا خلفه)

(1)
..إطارُ سيارته ملوثُ بالدمّ!
سارَ ولم يهتمّ!!
كنت أنا المشاهدَ الوحيدْ
لكنني .. فرشتُ فوق الجسد الملقي جريدتي اليوميَّةٍ
وحين اقْبَلَ الرجالُ من بعيد..
مزقت هذا الرقم المكتوب في وريقةٍ مطويةٍ

وسرتُ عنهم ما فتحت الفم!!
*
(حاربتُ في حربهما
وعندما رأيتُ كلاً منهما.. مُتَّهما
خلعتُ كلاً منهما
كي يسترد المؤمنون الرأى والبيعه
..لكنهم لم يدركوا الخدعه !)
*
حين دلفتُ داخل المقهي
جرَّدني النادلُ من ثيابي
جردتهُ بنظرةِ ارتيابِ
بادلتُه الكُرْها !
لكنني منحتهُ القرشَ فزَّين الوجها
ببسمةٍ.. كلبيَّةٍ.. بَلْها
ثم رسمتُ وجهه الجديدَ.. فوق علبةِ الثقابِ !

(2)
رأيتُهم ينحدرون في طريق النهرْ..
لكي يشاهدل عروسَ النيل – عند الموت – في جَلْوتها الأخيرة
وانخرطوا في الصلوات والبكاءْ.
وجئتُ.. بعد أن تلاشت الفقاقيعُ، وعادت الزوارقُ الصغيرة
رأيتهم في حلقات البيع والشراءْ
يقايضون الحزنَ بالشواءْ !
.. تقول لي الاسماكْ
تقول لي عيونُها الميِّتة القريرة:
إن طعامها الأخيرَ.. كان لحماً بشرياً
قبل أن تجرفها الشِّباكْ
يقول لي الماءُ الحبيسُ في زجاج الدورقِ اللمِّاعْ
إن كلينا.. يتبادلان الابتلاع !
تقول لي تحنيطة التمساح فوق باب المنزل المقابلْ
إنَ عظامَ طفلةٍ.. كانت فراشَ نومه في القاع !!
*
(خلعتُ خاتمي.. وسيدي.
فهل تُرى أحصي لكِ الشاماتِ في يدي
لتعرفيني حين تُقْبلين في غدِ
وتغسلين جسدي
من رَغَواتِ الزَّبَدِ؟!)
*
في ليلةِ الوفاء
رأيتُها - فيما يري النائمُ – مُهرةً كسلى
يسرجُها الحوذيُّ في مركبةِ الكراءْ
يهوي عليها بالسياطِ، وهي لا تشكو .. ولا تسير!
وعندما ثرتُ.. وأغلظتُ له القولا..
دارت برأسها...
دارت بعينيها الجميلتين
رأيتُ في العينين: زهرتين
تنتظران قبلةً . من نحلةٍ هيضَ جناحُها.. فلم تَعُد تطيرْ!
.. رأيتُها - فيما يري النائم- طفلة.. حبلى!
رأيتٌها.. ظلا!
وفي الصباح: حينما شاهدتُها مشدودةً إلي الشراعْ
ابَتَسَمَتْ، ولَوَّحَتْ لي بالذراع
لكنني: عَثُرتُ في سيري !
رأيتُني.. غيري !
وعندما نهضتُ: ألقيتُ عليها نظرةَ الوداع
كأنني لم أرها قبلا!
فأطرقت خجلى
ولم تَقُلْ إني رأيتُها ..ليلا!

(3)
خرجتُ في الصباح..لم أحمل سوي سجائري
دسستُها في جيب سترتي الرمادّية
فهي الوحيدةُ التي تمنحني الحبَّ.. بلا مقابل!

*
رؤيا:
(ويكون عامٌ.. فيه تحترقُ السنابلُ والضروعْ
تنموا حوافرنُا – مع اللعنات – من ظمأٍ وجوعْ
يتزاحفُ الاطفالُ في لعق الثري !
ينمو صَديدُ الصّمغ في الافواهِ،
في هُدب العيون.. فلا تري!
تتساقط الاقراطُ من آذان عذراوات مصرْ!
ويموت ثديُ الأمَّ.. تنهضُ في الكري
تطهو – علي نيرانها – الطفل الرضيع!!)
*
حاذيت خطو الله، لا أمامهُ.. لا خلفه
عرفت أن كلمتي أتفَهْ..
من أن تنال سيفَه او ذَهَبَهْ
(حين رأت عيناي ما تحت الثياب لم يعد يثيرني)
قلبت – حينا- وجهي العُملة
حتى اذا ما انقضت المهله
ألقيتها في البئر .. دون جلبة!
وهكذا.. فقدتُ حتى حِلْمَه وغَضَبَهْ
*
(عيناكِ: لحظتا شُروق
أرشف قهوتي الصباحيه من بُنِّهما المحروقْ
وأقرأ الطالعْ!
وفي سكون المغربِ والوادعْ
عيناك، يا حبيبتي، شُجيرتا برقوق
تجلس في ظلَّهما الشمسُ، ترفو ثوبها المفتوقْ
عن فخذها الناصع!)

(4)
.. وستهبطين علي الجموع
وترفرفين.. فلا تراك عيونُهم خاف الجموع
تتوقفين علي السيوفِ الواقفة
تتسمَّعين الهمهماتِ الواجفة
وسترحلين بلا رجوعْ!
..
ويكون جوعْ
ويكون جوعْ!

مارس 1967

ليست هناك تعليقات: