الاثنين، أبريل ٢٦، ٢٠١٠

بدر شاكر السيّاب - قالوا لأيوب

قالوا لأيوبَ "جفاك الآلهْ!"
فقال "لا يجفو
من شدّ بالإيمان، لا قبَضَتاه
تُرخى ولا أجفانُه تغفو".
قالوا له "والداء من ذا رماه
في جسمك الواهي ومن ثبّتهَ؟"
قال "هو التفكيرُ عما جناه
قابيل والشاري سُدىً جنّته.
سيُهزَم الداء غداً أغفو
ثمّ تفيقُ العينُ من غَفوَه
فأسحبُ الساق إلى خَلوْه
أسأل فيها اللهَ أن يعفو.
عكّازتي في الماء أرميها
وأطرقُ الباب على أهلي.
إنْ فتحوا البابَ فيا وَيْلي
من صرخةٍ، من فرحة مسّتْ حوافيها
دوّامةَ الحُزِنْ.. وأأيّوبُ ذاكْ؟
أم أن أمنيّه
يقذفُها قلبي، فألفيها
ماثلةً في ناظري حيّه؟
غيلان، يا غيلان، عانقْ أباك !"
يا ربِّ لا شكوى ولا من عتاب،
ألستَ أنت الصانعَ الجِسمْا؟
فمن يلوم الزارع التَمّا
من حوله الزرعُ، فشاء الخراب
لزهرةٍ والماءَ للثانيه؟
هيهات تشكو نفسيَ الراضيه.
إني لأدري أنّ يومَ الشفاء
يلمحُ في الغيْبِ،
سينزع الأحزانَ من قلبي
وينزع الداء، فأرمي الدواء،
أرمي العصا، أعدو إلى دارنا وأقطف الأزهار في دَرْبي
ألمّ منها باقةً ناضره
أرفُعها للزوجةِ الصابره
وبيْنها ما ظلّ من قلبي !

درم - 6/ 1 / 1936

* ديوان بدر شاكر السّياب - المجلد الأول - دار العودة - بيروت

السبت، أبريل ١٧، ٢٠١٠

صلاح جاهين - البيانولا

-حلم الطفولة في تقاطع شارع بورسعيد والأزهر في ليلة شتوية ممطرة-

أنــا دبــت وجزمتـى نعلهـا داب
مــن كتــر التدويــر عَ الأحبـاب
يـا سلمـلم لــو أعتــر فـى حبيب
ده أنا أرقـص من كتـر الإعجاب
كدهه ! كدهه ! كدهه !
أنـــا قلبـــى مزيكـــه بمفاتيـــح
من لمســه يغنــى لــك تفاريــح
مــع إنــى ما فطرتــش وجعــان
ومعـــــذب ومتيـــــم وجريــــح
باتنطط واتعفرت واترقص كدهه
كدهه ! كدهه ! كدهه !
بيانـــولا وألابنضـــه وحركــات
أطلعى بقى يا نصاص يا فرنكات
أنـا عازمـك يا حبيـبى لما ألاقيك
علـى فسحـة فى جميـع الطرقات
نتنـطط نتعـفـرت نترقـص كدهه
كدهه ! كدهه ! كدهه !

الأعمال الكاملة لصلاح جاهين - الجزء الثانى - الأغانى - مركز الأهرام للنشر و الترجمة
الأغنية بصوت سامية جاهين وفرقة إسكندريلا

الأحد، أبريل ١١، ٢٠١٠

محمود درويش - حجر كنعاني في البحر الميت

لا باب يفتحه أمامي البحر
قلت: قصيدتي‏
حجر يطير إلى أبي حجلاً، أتعلم يا أبي‏
ما حل بي؟ لا باب يغلقه علي البحر، لا‏
مرآة أكسرها لينتشر الطريق حصى.. أمامي‏
أو زبد...‏
هل من أحد..‏
يبكي على أحد لأحمل نايه‏
عنه، وأظهر ما تبطن من حطامي
أنا من رعاة الملح في الأغوار. ينقر طائر‏
لغتي، ويبني عش زرقته المبعثر في خيامي‏
هل من بلد‏
ينسل مني كي أراه، كما أريد وكي يراني‏
في الشاطىء الغربي من نفسي على حجر الأبد
هذا غيابك كله شجر، يطل عليك منك‏
ومن دخاني‏
نامت أريحا تحت نخلتها القديمة، لم أجد أحداً يهز سريرها: هدأت قوافلهم فنامي..‏
وبحثت لاسمي عن أب لاسمي، فشقتني عصاً سحرية، قتلاي أم رؤياي تطلع من منامي
الأنبياء جميعهم أهلي، ولكن السماء بعيدة عن أرضها، وأنا بعيد عن كلامي‏
لا ريح ترفعني إلى أعلى من الماضي هنا‏
لا ريح ترفع موجة عن ملح هذا البحر، لا‏
رايات للموتى لكي يستسلموا فيها، ولا‏
أصوات للأحياء كي يتبادلوا خطب السلام..‏
البحر يحمل ظلي الفضي عند الفجر‏
يرشدني إلى كلماتي الأولى لثدي المرأة
الأولى، ويحيا ميتاً‏
في رقصة الوثني حول فضائه‏
والبحر مات، من الرتابة، في وصايا لا تموت‏
وأنا أنا، إن كنت أنت هناك أنت، أنا الغريب‏
عن نخلة الصحراء منذ ولدت في هذا الزحام‏
وأنا أنا، حرب علي وفي حرب.. يا غريب‏
علق سلاحك فوق نخلتنا، لأزرع حنطتي‏
في حقل كنعان المقدس.. خذ نبيذاً من جراري‏
خذ صفحة من سفر آلهتي.. وقسطاً من طعامي‏
وخذ الغزالة من فخاخ غنائنا الرعوي، خذ‏
صلوات كنعانية في عيد كرمتها، وخذ عاداتنا‏
في الري، خذ منا دروس البيت. ضع‏
حجراً من الآجر، وارفع فوقه برج الحمام‏
لتكون منا إن أردت، وجار حنطتنا وخذ‏
منا نجوم الأبجدية، يا غريب‏
واكتب رسالات السماء معي إلى‏
خوف الشعوب من الطبيعة والشعوب‏
وأترك أريحا تحت نخلتها، ولا تسرق منامي‏
أتيت... ثم قتلت.. ثم ورثت، كي‏
يزداد هذا البحر ملحاً‏
وأنا أنا أخضر عاماً بعد عام فوق جذع السنديان‏
هذا أنا، وأنا أنا، هنا مكاني في مكاني‏
والآن في الماضي أراك، كما أتيت، ولا تراني‏
والآن في الماضي أضيء لحاضري‏
غده.. فينأى بي زماني عن مكاني‏
حيناً، وينأى بي مكاني عن زماني..‏

ديوان أحد عشر كوكباً - 1992 - محمود درويش الأعمال الأولى - المجلد الثالث - دار رياض الريّس