الخميس، فبراير ٢٢، ٢٠٠٧

فؤاد حداد - جوده سعيد الديب


لا أذكر حقاً متى كانت أول مره أمسكت فيها هذا الديوان لأول مرة ولكن التاريخ يقع بين سنه إصدار الديوان سنة 1999 وسنه إنتقالنا إلى الدقى فى صيف2001 -أى ما بين سن التاسعه والعاشره-، ولكن كل ما أذكره هو أننى كنت أعبث فى مكتبه البيت فوق سريرى أثناء غياب الوالدين إلى العمل، أشد بعض الكتب من المكتبه ثم أبحث فيها عن الصور وأقرا فيها قليلا ثم أعيدها مره أخرى، لكن عندما وقع الديوان فى يدى تصفحته ووجدت فيه شعر عاميه -وكنت قبل ذلك قرأت شعر صلاح جاهين وأحببته- قررت أن أقراه كاملا، أتذكر جيداً عندما جلست أقرأ مقدمه أمين حداد للديوان أعجبت بها وأحسست بها جداً خصوصا أن عمل أمى كمترجمه أنباء بإحدى الهيئات الحكوميه بوسط البلد -والذى يتشابه مع عمل فؤاد حداد كما هو مذكور بالمقدمه- كان يثيرنى كطفل، حاولت أن أقرا الديوان يومها لكنى لم أفهم شيئا بتاتا لصعوبه لغه فؤاد حداد، فقررت أن أؤجل قراءته لحين أن أكبر.
*
(آدى أيام العجب و الموت)
أول أبيات هذا الديوان ، وأول بيت يكتبه فؤاد حداد بعد إنقطاع عن الشعر دام أربع سنوات ، فقد أصيب فى سنة 1976 بمرض "الدوخة" ، كان يشعر بدوار كلما نزل إلى الشارع وحده.
هل رآه أحدكم ممسكاً بذراعى أو ذراع أخى فى ذهابه و عودته ؟
فى ذلك الوقت كان يعمل فى وكالة أنباء الشرق الأوسط ، منحنياً يترجم أنباءً تحملها آلات التكيرز التى لا ينقطع ضجيجها.
(وعلى كرسى فى الوكالة زى تمثال عرابى
الفارع فى شعرى
الفارغ فى ميدان التحرير
أزك أزك فى مكانى
على تلات رجلين أمشى
على رجل واحدة
على أربعة
على خمسة....)
وأكد الأطباء أن الدوخة حالة نفسية ، وكتب له الدكتور يحيى الرخاوى أدوية مضادة للأكتئاب ، وأمره بالنزول إلى الشارع وحده ومواجهة "الدوخة" وألا ينحنى كالعشب للريح.
كنت أقف فى أول الشارع ،ويمشى هو وحيداً إلى آخره ، ثم يعود فارداً ذراعيه خائفاً من الوقوع ، كأنه طفل تعلم المشى لتوه.
و فلح العلاج ، وضاعت الدوخة وضاع الشعر معها ،وبقيت الأدوية.
(غنوتى شكل اللى ضاع منى)
وجاء نعى الأصدقاء ، ومات فخرى مكارى ، وماتت أم صفوت ، ثم مات محمد عباس ، وأصيب فؤاد حداد بجلطة فى القلب فى نوفمبر و مات جودة سعيد الديب فى ديسمبر1979 .
(آه من الصخر اللى قلبه انفجر
فى رثاء جـوده سعــيد الديب)
ترك أدوية الأعصاب التى كسبت على أنفاس الشعر ،و ترك السجائر ووضع قلبه العليل تحت باطه كالرغيف ، وبدأ ديوان (أيام العجب الموت) بلغة جديدة ووزن جديد.

*
آدى أيّـــــــام العجـــــــب والمـــــــوت
جـــات بســـرعه زى غمضـــة عـــين

ليــــه ماقلــــتش زىّ لمْـــــح البَصَــــر
كنـــــت باتقلّـــــب علـــــى الجنبــــــين
والكــــابوس مـــن كـــل جنــب يجيبنى
زىّ أعمـــــى يحـــــسّ لمـــــّا يجــــسّ
ألقـــــى نفســــــى والاّ اشوف نفســـى
بالتفـــــــت مـــــــن آخـــــــر الــــــدنيا
الحميـــــــر بتجرجـــــــر العَربَـــــــات
الســـما اللــــى تحـــت منهـــا حابــات
عنــــد كـــوبرى أبـــو العـــلا بتشـــتى

أنكمــــش فــــى جتّتــــى مـــن البـــرد
لسّــــه حــارجع طفـــل تحـــت المطــر
وأنحنـــى ع الأرض وافضــل عجـــوز
اتوهمـــت الخـــوف دهســـنى الخطــر
كـــــل شـــــئ إلا الخيانــــــه يجـــــوز

ألـــبس التـــوب اللـــى مــــش تـــوبى
أعمـــل الممكـــــن مــــع المســــتحيل

أمشـــــى زى الخنفســـــه و البــــــــد
جنــب حيطــــه فـــى ركـــن ع الســـلّم
الحجـــــــــر الاصـــــــــفر بيتــــــــــألّم
فيـــه أثـــر للعشـــره مهمــــا تهــــون
أقبـــل الظلـــم اللـــى فــــى الأشــــياء
والليـــــــالى بخـــــــدّها المـــــــدهون
والحيــاه والنــاس وحتــى فى نفســى
واقـــرا فـــى الجرنـــال كـــلام تــــانى

وانتقـــل فـــى الماضــــى واســـتغرب
وابكــــــى ع المســــــتقبل الفـــــــانى
واحمــــل الضلمــــه علــــى عينـــــىَّ
وانتبـــه مــن نـــومى واســـمع نعــى
الزميـــــل جـــــوده ســــعيد الـــــديب

إســـمه بالكامـــل يـــا فجـــر الطيـــب
اللــــــى ضــــــاعت مَّنــــــى أيّامـــــه

وآدى أيّـــــــام العجــــــب والمــــــوت

ديوان (أيام العجب والموت) من الجزء الثانى للأعمال الكاملة للشاعر (فؤاد حداد)- الهيئة العامة لقصور الثقافة *
جزء من مقدمة الديوان من نسخة مكتبة الأسرة 1999**