الجمعة، يناير ١٥، ٢٠١٠

عبد الوهاب البياتي - صورة للسهروردي في شبابه

( 1 )

لو كان البحر مدادًا للكلمات لصاح الشاعرُ:
يا ربي، نفدَ البحرُ وما زلت على شاطئه أحبو.

الشيب علا رأسي وأنا ما زلت صبياً
لم أبدأ بعد
طوافي ورحيلي،
فإذا احترق الخيَّام بنار الحب
وأصبح في حان الأقدار حجاباً، فأنا حول النار
فراش ما زلت أحوم وأُفني ليلى سُكراً، أتأمل
وجه القمر الفضي الأزرق في صحراء الحب
يغيب، ليترك في أقداح العشاق رماداً.
كنت أحبك حتى الموت فأين مضى حبك؟ واعجبا!
قلبي مرتعد كالوَرْقة يسألني: أين مضى؟
ما أوحش هذي الصحراء: ولدنا فيها، أحببناها
ورحلنا، عانينا فيها موت الروح، حملناها كبريق
ذهبي يتغلب هذا الليل عليه، يموتْ.
كنت أريدك لي وحدي لكنك كنتِ لكل العشاق
كنتِ تخونين الواحد باسم الآخر،
يا مشروع امرأة ألقيتُ بها في سلّ الإِهمال.
أتأمل وجه القمر الفضي الأزرق
في مرآة الحان
أتأمل وجه العشاق
الشيب علا رأسي وأنا ما زلت صبياً
لم أبدأ بعد طوافي ورحيلي في الكلماتْ.
فإذا نُحر الحلاج وأصبح في تاريخ العشق
شهيدًا فأنا لم أبدأ عرس دمي حتى الآن

( 2 )

كنت أُحبك حتى الموت فأين مضى حبك؟
واعجبا!
قلبي مرتعدًا كالورقةِ
يسألني: ما أوحش هذي الصحراء
أتوغل فيها مجنوناً، بالكلمات
أتأمل وجهي في المرآة
وأقول له: ها نحن معاً، فاكتم أمر رحيلي،
حتى لا تُنهَب، يا حادي الأظعان.

( 3 )

بدم القلب، كتبت وأشعلت النار
بهشيم الكلمات
لكني لم أبدأ في إشعال النار بقلبي، حتى الآن.

( 4 )

يسري سم بعروقي، قطرات دمي تصرخ ظامئة وتقول:
أحبك أو كنت أحبك، لا أدري الآنْ
فأنا أخبط في ليل وأموت على قدحي ظمآن
حانات العالم تعرفني
ومقاهي أرصفة الفجر الأسيانْ.

( 5 )

يا من أوقفني ما بين الجسد المشدود كقوس والمُطلَقْ
يا من أوقعني في هذا المأزق
حطّم هذا الزورق
بصخور شواطئ يمّ الليل الأزرق.

( 6 )

أعرفها تلك الشطآن، فمنها أبحر أجدادي
للصين وعادوا مبهورين بأنياب التنين، ومنها
أقلع عمال البحر لصيد اللؤلؤ في بحر الهند
وعادوا، أكثر مما كانوا، فقراءْ
أعرفها تلك الصحراء المائية ذات الأثداء
وهي تعرّي سرّتها للشمس الحمراء
أعرفها وأراها كل مساء في حان الأقدار
بجواهر زائفة وعيون من خزف: تلك الشمطاء
تغوي الساقي، فيخون
ويبوح بسر شهيد العشق المقتول.

( 7 )

أوقفنى في باب الممنوعات
"منها": قال: "الكلمات"
"فتعقلْ في هذا الباب" وغاب

( 8 )

ممنوع: أفلاطون

وأرسطو والمتنبي وجلال الدين
في هذا الجحر الملعون.

( 9 )

يسقط رأسي مقطوعاً في طبق السلطان
وأنا لم أبدأ رحلة عمري حتى الآن!

من ديوان ((مملكة السنبلة)) 1979 كتاب المختارات دار الكنوز الأدبية بيروت لبنان

ليست هناك تعليقات: