الاثنين، مايو ١٦، ٢٠١١

محمود درويش - لي حكمة المحكوم بالإعدام

ليَ حكمةُ المحكوم بالإعدامِ:
لا أشياءَ أملكُها لتملكني،

كتبتُ وصيَّتي بدمي:

"ثِقُوا بالماء يا سُكّان أُغنيتي!"

ونِمْتُ مُضرّجاً ومتوَّجاً بغدي...

حلِمْتُ بأنّ قلب الأرض أكبرُ

من خريطتها،

وأوضحُ من مراياها ومِشْنَقتي.

وهِمْتُ بغيمةٍ بيضاء تأخذني

الى أعلى

كأنني هُدْهُدٌ، والريحُ أجنحتي.

وعند الفجر، أَيقظني

نداءُ الحارس الليليِّ

من حُلْمي ومن لغتي:

ستحيا ميتةً أخرى،

فعدِّلْ في وصيّتك الأخيرة،

قد تأجَّل موعدُ الإعدام ثانيةً

سألت: الى متى؟

قال: أنتظر لتموت أكثر

قلتُ: لا أشياء أملكها لتملكني

كتبتُ وصيّتي بدمي:

"ثِقُوا بالماء

يا سُكّان أغنيتي!"

وأنا، وإن كنت الأخير

وأنا، وإن كُنْتُ الأخيرَ

وجدْتُ ما يكفي من الكلماتِ...

كلُّ قصيدةٍ رسمٌ

سأرسم للسنونو الآن خارطةَ الربيعِ

وللمُشاة على الرصيف الزيزفون

وللنساء اللازوردْ...

وأنا، سيحمِلُني الطريقُ

وسوف أحملُهُ على كتفي

الى أن يستعيدَ الشيءُ صورتَهُ،

كما هي،

واسمَه الأصليّ في ما بعد/

كلُّ قصيدة أُمٌّ

تفتش للسحابة عن أخيها

قرب بئر الماء:

"يا ولدي! سأعطيك البديلَ

فإنني حُبْلى..."/

وكُلُّ قصيدة حُلمٌ:

"حَلِمْتُ بأنّ لي حلماً"

سيحملني وأحملُهُ

الى أن أكتب السطر الأخيرَ

على رخام القبرِ:

"نِمْتُ... لكي أطير"

... وسوف أحمل للمسيح حذاءَهُ الشتويَّ

كي يمشي، ككُلِّ الناس،

من أعلى الجبال... الى البحيرة


* من ديوان لا تعتذر عما فعلت - الأعمال الكاملة الجديدة المجلد الأول - دار رياض الريس

هناك تعليق واحد:

محسن يقول...

فتحت شهيتي للقرائة لمحمود درويش
شكرا لك