الجمعة، أغسطس ٢١، ٢٠٠٩

محمود درويش - مقاطع من قصيدة "مديح الظل العالي"



أَشلاؤنا أَسماؤنا. لا.. لا مَفَرُّ
سقط القناعُ عن القناعِ عن القناعِ،
سقط القناعُ
لا إخوةٌ لك يا أخي، لا أصدقاءُ
يا صديقي لا قلاعُ
لا الماءُ عندكَ، لا الدواء ولا السماء ولا الدماءُ ولا الشراع
ولا الأمامُ ولا الوراءُ.
حاصِرْ حصَارَكَ.. لا مفرُّ
سقطتْ ذراعك فالتقطها
واضرب عَدُوَّك.. لا مفرُّ
وسقطتُ قربك، فالتقطني
وأضرب عدوكَ بي .. فأنت الآنَ حُرُّ
حُرُّ
وحُرُّ..
قتلاكَ، أو جرحاك فيك ذخيرةٌ
فاضربْ بها. اضربْ عدوَّكَ.. لا مَفَرُّ.

أَشلاؤنا أسماؤنا
حاصرْ حصارَك بالجنونِ
وبالجنونِ
وبالجنونْ
ذهبَ الذين تحبُّهم، ذهبوا
فإمَّا أن تكونْ
أو لا تكونْ،
سقط القناعُ عن القناعِ عن القناعِ
سقط القناعُ
ولا أحدْ
إلاَّك في هذا المدى المفتوح للأعداء والنسيانِ،
فاجعل كُلَّ متراسٍ بَلَدْ
لا.. لا أَحَدْ
سقط القناعُ
عَرَبٌ أَطاعوا رُومَهم
عَرَبٌ وباعوا رُوْحَهُم
عَرَبٌ ... وضاعوا
سَقَطَ القناعُ
واللهُ غَمَّسَ باسمك البحريَّ أَسبوعَ الولادةِ واستراحَ إلى الأَبدْ
كُنّ أنتَ . كُنْ حتى يكونْ !
لا .. لا أَحَدْ
يا خالقي في هذه الساعاتِ من عَدَمٍ تَجَلَّ !
لعلَّ لي رَبَّاً لَأعبدَهُ
لَعَلَّ !
علمتني الأسماءَ
لولا
هذهِ الدولُ اللَّقيطةُ لم تكنْ بيروت ثكلى !
بيروت – كلاّ.
*
بيروت – صورتُنا
بيروت – سورتُنا
فإمَّا أَن نكونْ
أَو لا نكونْ.
*
وأَنا التَوَازُنُ بين ما يجُب ؟
كُنَّا هناكَ . ومن هنا ستهاجر العَرَبُ
لعقيدةٍ أُخرى . وتغتربُ
قَصَبٌ هياكلنا
وعروشنا قَصَبُ
في كُلِّ مئذَنةٍ
حاوٍ، ومغتصبُ
يدعو لأندلس
إن حُوصرتْ حَلَبُ.
وأَنا التوازُنُ بين مَنْ جاءوا ومن ذهبوا
وأَنا التوازُنُ بين مَنْ سَلَبُوا وَمَنْ سُلِبوا
وأَنا التوازُنُ بين مَنْ صَمَدُوا وَمَنْ هربوا
وأَنا التوازُنُ بين ما يَجِبُ:
يجب الذهابُ إلى اليسارْ
يجبُ التوغُّلُ في اليمينْ
يجبُ التمترُس في الوسطْ
يجبُ الدفاعُ عن الغلطْ
يجبُ التشكُّك بالمسارْ
يجبُ الخروجُ من اليقينْ
يجبُ الذي يجبُ
يجبُ انهيار الأنظمةْ
يجبُ انتظار المحكمةْ
.. وأَنا أُحبك، سوف أَحتاج الحقيقةَ عندما أَحتاج تصليح
الخرائط والخططْ
أَحتاجُ ما يجبُ
يجبُ الذي يجبُ
أدعو لأندلسٍ
إن حُوصرتْ حَلَبُ.
*
يا سَيَّدَ الكينونة المتحوَّلَهْ ؟
يا سَيَّدَ الجمرهْ
يا سَيَّدَ الشُّعْلَهْ
ما أوسع الثورهْ
ما أضيق الرحلَهْ
ما أكبَرَ الفكرهْ
ما أصغرَ الدولهْ !...

1982

محمود درويش - مديح الظل العالي - دار العودة - بيروت

هناك ٣ تعليقات:

لبنــــــــــى يقول...

من اروع قصائد محمود درويش غنتها ماجدة الرومي
لكن وصف مذهل لحالة حصار بيروت و تنبؤ لما قبل و ما بعد ايضا

غير معرف يقول...

أنا بحب محمود درويش

Unknown يقول...

كُنَّا هناكَ . ومن هنا ستهاجر العَرَبُ
لعقيدةٍ أُخرى . وتغتربُ
قَصَبٌ هياكلنا
وعروشنا قَصَبُ
في كُلِّ مئذَنةٍ
حاوٍ، ومغتصبُ
يدعو لأندلس
إن حُوصرتْ حَلَبُ.

و الآن حلب محاصرة .. درويش النبي